فصل: فصل: في الإعلال بالحذف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


فصل‏:‏ ‏"‏إذا كان فاء الافتعال حرف لين‏"‏‏:‏

ذو اللين فا تا في افتعال أبدلا‏.‏‏.‏‏.‏ وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا

إذا كان فاء الافتعال حرف لين -أعني واوًا أو ياءً- وجب في اللغة الفصحى إبدالها تاء في الافتعال وفروعه، أعني الفعل واسمى الفاعل والمفعول‏.‏

مثال ذلك في الواو‏:‏ اتّعد يتّعدا اتّعادًا فهو متعد، ومثاله في الياء‏:‏ اتّسر يتّسر اتّسارًا فهو متّسر‏.‏

وإنما أبدلوا الفاء في ذلك تاء؛ لأنهم لو أقروها لتلاعبت بها حركات ما قبلها فكانت تكون بعد الكسرة ياء، وبعد الفتحة ألفًا، وبعد الضمة واوًا، فلما رأوا مصيرها إلى تغيرها لتغير أحوال ما قبلها أبدلوا منها حرفا جلدًا لا يتغير لما قبله، وهو التاء، وهو أقرب الزوائد من الفم إلى الواو، وليوافق ما بعده فيدغم فيه‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قال بعض النحويين البدل في اتّعد، إنما هو من الياء؛ لأن الواو لا تثبت مع الكسرة في اتّعاد وفي اتّعد وحمل المضارع واسم الفاعل واسم المفعول منه على الماضي والمصدر‏.‏

الثاني‏:‏ قوله ‏"‏ذو اللين‏"‏ يشمل الواو والياء كما تقدم، وأما الألف فلا مدخل لها في ذلك؛ لأنها لا تكون فاء ولا عينًا ولا لامًا‏.‏

الثالث‏:‏ من هل الحجاز قوم يتركوا هذا الإبدال، ويجعلون فاء الكلمة على حسب الحركات قبلها، فيقولون‏:‏ ايتَعَد ياتَعِد فهو مُوتَعِد، وايتَسَر ياتَسِر فهو مُوتَسِر‏.‏

الرابع‏:‏ حكى الجرمي أن من العرب من يقول ائتسر وائتعد -بالهمز- وهو غريب‏.‏ وقوله‏:‏ ‏"‏وشذ في ذي الهمز‏"‏ أي‏:‏ وشذ إبدال فاء الافتعال تاء فيما أصله الهمزة والقياس فيه ألا يبدل، وذلك نحو ايتكل ياتكل ايتكالًا؛ لأنه افتعل من الأكل، ففاء الكلمة همزة ولكنها خففت بإبدالها حرف لين لاجتماعها مع الهمزة

التي قبلها فأقرت على ما يقتضيه التصريف، ولم تبدل لأنها ليست بأصل، وإنما هي بدل من همزة، والهمزة لا تدغم، فينبغي أن يكون بدلها كذلك، وأيضًا فلأن إبدالها وهي بدل من الفاء يؤدي إلى توالي إعلالين وشذ إبدال الياء والواو في هذا تاء، كقول بعضهم اتزر، أي‏:‏ لبس الإزار، فالتاء في هذا بدل من الياء المبدلة من الهمزة ‏"‏وقال بعضهم‏:‏ اؤتُمِن اتَّمِن، فالتاء في هذا بدل من الواو المبدلة من الهمزة‏"‏ واللغة الفصيحة في ذلك عدم الإبدال‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قوله ‏"‏وشذ‏"‏ يقتضي أن الإبدال في ذي الهمز ليس بلغة فلا يصح القياس عليه، وهذا هو المعروف، وحكى عن البغداديين أنهم أجازوا الإبدال في ذي الهمزة، وحكوا من ذلك ألفاظًا وهي‏:‏ اتَّزر واتَّمن، من الإزار والأمانة، واتَّهل من الأهل، ومنه عندهم اتَّخذ من الأخذ، وقال بعضهم‏:‏ هي لغة رديئة متنازع في صحة نقلها، قال أبو علي‏:‏ هذا خطأ في الرواية، فإن صحت فإنما سمعت من قوم غير فصحاء لا ينبغي أن يؤخذ بلغتهم، ولم يحك هذا سيبويه، ولا الأئمة المتقدمون العارفون بالصيغة وتحري النقل‏.‏

قلت‏:‏ وفي الحديث ‏"‏وإن كان قصيرًا فليتزر به‏"‏ كذا الجميع رواه الموطأ بالإبدال والإدغام، وفي حديث عائشة رضي الله عنها ‏"‏كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني إذا حضت أن أتزر‏"‏ -بالإدغام‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما يصنع أبو علي بقولهم‏:‏ اتخذ وهو من الأخذ‏؟‏‏.‏

قلت‏:‏ خرجه على أن تاءه الأولى أصلية؛ لأن العرب قالت‏:‏ تخذ بمعنى اتخذ، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏ وأنشد‏:‏

وقد تخذت رجلي لدى جنب غرزها‏.‏‏.‏‏.‏ نسيفًا كأُفْحُوصِ القطاةِ الْمُطَرِّق

ونازع الزجاجي في وجود مادة تَخِذَ، وزعم أن أصله اتخذ، وحذف، وصحح ما ذهب إليه الفارسي بما حكاه أبو زيد من قولهم‏:‏ تَخِذَ يتخذ تَخَذًا، وذهب بعض المتأخرين إلى أن اتّخذ مما أبدلت فاؤه تاء على اللغة الفصحى؛ لأن فيه لغة وهي وخذ بالواو، وهذه اللغة وإن كانت قليلة إلا أن بناءه عليها أحسن؛ لأنهم نصوا على أن اتّمن لغة رديئة‏.‏

الثاني‏:‏ ظاهر تمثيله بائتكل -أنه مما سمع فيه الإبدال شذوذًا، ويحتمل أن يريد أن الإبدال سمع فيما هو من جنسه، وإن كان لم يسمع فيه، ونص الشارح على هذا قال‏:‏ ولا يريد أنه يقال في افتعل من الأكل ايتكل‏.‏

قلت‏:‏ وفي كلام بعضهم ما يدل على أنه مسموع‏.‏

طا تا افتعال رد إثر مطبق‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني أنه إذا بنى الافتعال وفروعه مما فاؤه أحد الحروف المطبقة -وهي الصاد والضاد والطاء والظاء- وجب إبدال تائه طاء، كقولك في بناء افتعل من طعن وظلم وصبر وضرب، اطعنوا واظلموا واصطبروا، واضطرب، والأصل في ذلك اطتعنوا واظتلموا واصتبروا واضترب، ولكن استثقل اجتماع التاء مع الحرف المطبق لما بينهما من تقارب المخرج وتباين الصفة إذا التاء مهموسة مستقلة، والمطبق مجهور مستعل، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرجها وهو الطاء‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا أبدلت الياء طاء بعد الطاء وجب الإدغام لاجتماع المثلين، وإذا أبدلت بعد الظاء في نحو اظَّلم ففيه ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ البيان فيقال اضطلم، والثاني‏:‏ إدغام الظاء في الطاء فتقول اطلَّم بطاد مشددة، والثالث‏:‏ أن تجعل موضع الطاء ظاء معجمة ثم تدغم فيقال اظّلم‏.‏

وينشد بالأوجه الثلاثة قول زهير‏:‏

هو الجواد الذي يعطيك نائله‏.‏‏.‏‏.‏ عفوًا ويظلم أحيانًا فيظطَلِم

وإذا أبدلت بعد الصاد ففيه وجهان‏:‏ البيان فيقال اصطبروا، والإدغام بقلب الثاني إلى الأول فيقال‏:‏ اصبروا -بصاد مشددة‏.‏ قال سيبويه‏:‏ وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ‏:‏ ‏"‏أَنْ يُصَّلحَا‏"‏ يريد أن يصطلحَا‏.‏

وإذا أبدلت بعد الضاد فتلاثة أوجه‏:‏ البيان والإدغام بوجهيه، فيقال اضطجع واضجع واطجع، وهذا الثالث، قال ابن هشام الخضراوي‏:‏ هو نادر شاذ، وقد استثقل بعضهم اجتماع الضاد والطاء لما بينهما من التقارب، فقلب الضاد لامًا فقال‏:‏ الطجع، وبالأوجه الأربعة ينشد قوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ مال إلى أرطاة حقق فالطجع

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ في ادَّان وازدد وادَّكر دالًا بقي

يعني أنه إذا بنى الافتعال مما فاؤه دال نحو دَانَ، أو زاي نحو زاد، أو ذال نحو ذكر، وجب إبدال تائه دالًا فيقال‏:‏ ادّان وازداد، وادَّكر، والأصل‏:‏ ادتان، وازتاد، واذتكر، فاستثقل مجيء التاء بعد هذه الأحرف، فأبدلت دالًا‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ إذا أبدلت تاء الافتعال دالًا بعد الدال وجب الإدغام، لاجتماع المثلين، فليس في ادَّان إلا وجه واحد‏.‏

وإذا أبدلت دالًا بعد الزاي فوجهان‏:‏ الإظهار والإدغام بقلب الثاني إلى الأول فيقال‏:‏ ازّجَّر، ولا يجوز العكس؛ لأن الزاي لا تدغم فيما ليس من مخرجها وإذا أبدلت دالًا بعد الذال فثلاثة أوجه‏:‏ الإظهار، والإدغام بوجهيه فيقال‏:‏ ازدكر، وادكر، واذكر، بذال معجمة‏.‏

الثاني‏:‏ مقتضى اقتصار النظم على إبدال تاء الافتعال طاء بعد الأحرف الأربعة المذكورة، ودالًا بعد الثلاثة أنها تقر بعد سائر الحروف ولا تبدل، وقد ذكر في التسهيل أنها تبدل ثاء بعد الثاء فيقال‏:‏ أثرد -بثاء مثلثة- وهو افتعل من ثرد أو تدغم فيها الثاء فيقال‏:‏ اترد -بتاء مثناة، وقال سيبويه‏:‏ والبيان عندي جيد -يعني الإظهار، فيقال اثترد، ولم يذكر المصنف هذا الوجه، وذكر في التسهيل أيضًا أنها قد تبدل دالًَا بعد الجيم كقولهم في‏:‏ اجتمعوا‏:‏ اجدمعوا، وفي احتز‏:‏ اجدز، قال الشاعر‏:‏

فقلت لصاحبي‏:‏ لا تحبسانا‏.‏‏.‏‏.‏ بنزع أصوله واجدزّ شِيحًا

وهذا لا يقاس عليه، وظاهر كلام المصنف في بعض كتبه أنه لغة لبعض العرب، فإن صح أنه لغة جاز القياس عليه‏.‏

وهذا آخر ما ذكره الناظم من باب الإبدال وما يتعلق به من أوجه الإعلال‏.‏

وقد علم مما ذكره أن الهمزة تبدل من ثلاثة أحرف وهي‏:‏ الألف والواو والياء‏.‏

والياء تبدل من ثلاثة أحرف، هي‏:‏ الهمزة والألف والواو‏.‏

والواو تبدل من ثلاثة أحرف، وهي‏:‏ الهمزة والألف والياء‏.‏

والألف تبدل من ثلاثة أحرف، وهي الهمزة والواو والياء‏.‏

والميم تبدل من النون، والتاء تبدل من حرفين وهما‏:‏ الواو والياء‏.‏

والطاء تبدل من التاء، والدال تبدل من الباء، على ما سبق ذكره من التفصيل‏.‏

وقد تبدل بعض هذه الحروف من غير ما ذكر، وإنما قصد هنا ذكر الضروري، ولذلك لم يتكلم على إبدال الهاء مع أنه ذكرها في حروف البدل؛ لأن ذكر الهاء ليس بضروري؛ ولهذا قال في التسهيل‏:‏ والضروري في التصريف هجاء ‏"‏طويت دائمًا‏"‏ وأسقط الهاء، وقد تقدم أول الباب الإعلام بأن حروف الإبدال الشائع اثنان وعشرون حرفًا، وهي المجموعة في قوله‏:‏ ‏"‏لجدٍّ صَرْفُ شَكس آمن طيَّ ثوب عزَّتِه‏"‏ وأن الإبدال قد وقع في غيرها أيضًا، ولكنه ليس بشائع، وقد رأيت أن أذيل ما سبق ذكره باستيفاء الكلام على إبدال جميع الحروف على سبيل الإيجاز مرتبًا للحروف على ترتيبها في المخارج، فأقول وبالله التوفيق‏:‏

الهمزة، أبدلت من سبعة أحرف، وهي الألف، والياء، والواو، والهاء، والعين، والغين، والخاء، أما إبدالها من أحرف اللين فمنه مطرد كإبدال الهمزة من الألف في حمراء ومن الواو في كساء ومن الياء في رداء، وقد تقدم بيانه مستوفًى‏.‏

ومنه غير مطرد كإبدال الهمزة من الألف في الخاتم والعالم، وفي الواو في إشاح واحد، خلافًا للمازني في إشاح فإن إبدال الهمزة من الواو فيه مطرد عنده ومن الياء في قولهم‏:‏ قطع الله أديه، في أسنانه ألل -أي‏:‏ يلل وهي قصر الأسنان العليا، وقيل‏:‏ انعطافها إلى داخل الفم‏.‏

وأما إبدالها من الهاء وما بعدها فمقصور على السماع، فمثال إبدالها من الهاء قوله‏:‏ ماء وأصله ماه، ومن العين قولهم‏:‏ أباب بحر والأصل عباب بحر، ومن الخاء قولهم‏:‏ صَرَأ‏.‏ أي صرخ، حكاه الأخفش عن الخليل، ومن الغين

قولهم‏:‏ رَأْنَة بمعنى رَغْنَة حكاه النضر بن شميل عن الخليل، وإبدالها من هذين الحرفين غريب جدًّا‏.‏

الألف‏:‏ أبدلت من أربعة أحرف، وهي الياء نحو باع، والواو نحو قال، والهمزة نحو كاس في كأس، والنون الخفيفة نحو ‏{‏لَنَسْفَعًا‏}‏‏.‏

والهاء أبدلت من خمسة أحرف، وهي‏:‏ الهمزة نحو هياك في إياك وهو كثير، والألف كقوله من ها هنا ومن هُنْة أي من هنا، والواو في حرفين محتملين‏:‏ أحدهما هنية تصغير هنة أصله هنيوة، ويحتمل أن تكون الهاء مبدلة من الياء المبدلة من الواو، والآخر‏:‏ قولهم‏:‏ يا هناء عند أبي الفتح، وفيه أقوال مشهورة، والياء في هذه وهنية على أحد الوجهين، والتاء في طلحة في الوقف على مذهب البصريين، وإبدال الهاء في جميع ذلك غير مطرد إلا في نحو طلحة‏.‏

العين‏:‏ أبدلت من حرفين‏:‏ الحاء في قولهم‏:‏ ضَبَعَ بمعنى ضبح والهمزة في نحو ‏"‏عَنَّ زيدًا قائم‏"‏ أعني أن زيدًا قائم، وهي عنعنة تميم‏.‏

والغين‏:‏ أبدلت من حرفين لخاء كقولهم‏:‏ ‏"‏غَطَر بيديه يغطر‏"‏ بمعنى خطر يخطر حكاه ابن جني، والعين كقولهم‏:‏ لَغَنَّ في لَعَنَّ‏.‏

الحاء‏:‏ أبدلت من العين قالوا‏:‏ ‏"‏ربح‏"‏ في ربع، وذلك قليل‏.‏

الخاء‏:‏ أبدلت من حرف واحد، وهو الغين في قولهم‏:‏ ‏"‏الأخنّ‏"‏ يريدون الأغنّ فقد وقع التكافؤ بينهما، وذلك في غاية القلة‏.‏

القاف -أبدلت من حرف واحد وهو الكاف كقولهم‏:‏ وقنة في وكنة الطائر- وهي مأواه من الجبل، حكاه الخليل‏.‏

والكاف -أبدلت من حرفين‏:‏ القاف في قولهم ‏"‏عربي كحّ‏"‏ أي‏:‏ قحّ، وفسر الأصمعي القح فقال‏:‏ وهو الخالص من اللؤم، وإبدال الكاف من القاف أكثر من عكسه والتاء في قول الراجز‏:‏

يا ابن الزبير طالما عَصَيْكَا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ عصيت‏.‏ أنشده أبو علي‏.‏

الجيم -أبدلت من الياء مخففة ومشددة، والأكثر كون الياء المبدل منها الجيم مشددة أو مسبوقة بعين، وهي عجعجة قضاعة‏.‏

الشين‏:‏ أبدلت من ثلاثة أحرف‏:‏ كاف المؤنث في نحو أكرمتك قالوا‏:‏

اكرمتش، والجيم، قالوا مدمش في مدمج قال‏:‏

إذ ذاك إذ حبل الوصال مدمش

أي‏:‏ مدمج، والسين قالوا‏:‏ جعشوش في جعسوس، وهو القميء الذليل، يجمع بالمهملة دون المعجمة، وبذلك علم الإبدال‏.‏

الياء‏:‏ وهي أوسع حروف الإبدال، ذكروا أنها أبدلت من ثمانية عشر حرفًا‏:‏ وهي‏:‏ الألف نحو دنينير في تصغير دينار، والواو نحو أعزيت وما يتصرف منه، والهمزة نحو بير في بئر، والهاء نحو دهديت في دهدهت، والسين في سادي وخامي ودساها وأصلها سادس وخامس ودسسها، والباء في الأراني والثعالي، والأصل الأرانب والثعالب، والراء في قيراط وشيراز عند بعضهم، والنون في أناسي وظرابي جمع إنسان وظربان وفي تظنيت وهو من الظن، والصاد في قصَّيت أظفاري والضاد في قولهم‏"‏‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ تقضِّي البازِي إذا البازِي كَسَرْ

واللام في أمليت وأصله أمللت، والميم في ائتميت وأصله ائتممت، والعين في ضفادي أي ضفادع، والدال في تصدية، والتاء في ايتصلت، والثاء في الثالي أي‏:‏ الثالث، والجيم في دياجي، وشيرة في شجرة، والكاف في مكاكي‏.‏

والصاد‏:‏ أبدلت من اللام في قولهم‏:‏ رجل جصد -أي‏:‏ جلد‏.‏

اللام -أبدلت من حرفين- وهما النون في أصيلان والضاد في الطجع بمعنى اضطجع‏.‏

والراء -أبدلت من اللام في قولهم‏:‏ نثرة- بمعنى نثلة، ورعل بمعنى لعل‏.‏

النون‏:‏ أبدلت من ثلاثة أحرف‏:‏ وهي اللام كقولهم لعن في لعل ‏"‏ونابن فعلت كذا‏"‏ في لا بل فعلت كذا، والميم كقولهم للحية‏:‏ أيم وأين -بالنون والميم- حكاه الأصمعي، وقالوا‏:‏ أسود قاتم وقاتن، والهمزة كقوله في النسبة إلى صنعاء وبهراء صنعاني وبهراني، وحكى الفراء‏:‏ حنان في حناء، وهو الذي يخضب به‏.‏

الطاء‏:‏ أبدلت من حرفين‏:‏ التاء في الافتعال بعد حروف الإطباق، وقد تقدم ذكره، والدال حكى يعقوب عن الأصمعي ‏"‏قط الحرف‏"‏ ومده والإبعاط في الإبعاد‏.‏

والدال‏:‏ أبدلت من أربعة أحرف‏:‏ وهي التاء في الافتعال بعد الدال والذال والزاى والجيم في نحو اجدمعوا‏.‏ والطاء كقولهم‏:‏ المردى في المرطى وهو حيث يمرط الشعر حول السرة، والذال في قولهم‏:‏ ذكر في جمع ذكرة‏.‏

التاء‏:‏ أبدلت من ستة أحرف وهي‏:‏ الطاء في فستاط والأصل فسطاط كقولهم في الجمع‏:‏ فساطيط دون فساتيط، والدال في قولهم‏:‏ ‏"‏ناقة تربوط‏"‏ والأصل دربوط، أي‏:‏ مذللة؛ لأنه من الدربة، والواو في ‏"‏تراث وتُجاه‏"‏ ونحوهما، والياء في ثنتين وكيت وذيت، والصاد في لصت والسين في ست‏.‏

قال في التسهيل‏:‏ وربما أبدلت من هاء السكت، ومثاله ما تأوله بعضهم في قوله‏:‏

العَاطِفُونَةَ حين ما من عَاطِفٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أنه أراد العاطفونه -بهاء السكت، ثم أبدلها تاء وحركها للضرورة، ومثله بعضه بنحو ‏"‏جنت ونعمت‏"‏ لأنه جعل الهاء أصلًا‏.‏

الصاد‏:‏ أبدلت من السين في نحو ‏"‏صراط‏"‏‏.‏

والزاى‏:‏ أبدلت من السين نحو يزدل في يسدل، والصاد نحو يزدق في يصدق‏.‏

والسين‏:‏ أبدلت من ثلاثة أحرف‏:‏ التاء في استخذ على أحد الوجهين وأصله اتخذ، والشين في نحو مشدود قالوا‏:‏ مسدود، واللام في ‏"‏استقطه‏"‏ أي‏:‏ التقطه، وهو في غاية الشذوذ‏.‏

الظاء -لم أجد في إبدالها شيئًا‏.‏

الذال‏:‏ أبدلت من الدال في قراءة من قرأ ‏"‏فَشَرِّذْ بِهِمْ‏"‏ بالمعجمة، وفيه احتمال، ومن الثاء في قولهم‏:‏ ‏"‏تلعذم الرجل‏"‏ أي‏:‏ تلعثم، إذا أبطأ في الجواب‏.‏

الثاء‏:‏ أبدلت من الفاء في مغثور وأصله مغفور، ومن الذال في قولهم في الجذوة من النار‏:‏ جثوة‏.‏

الفاء‏:‏ أبدلت من الثاء في قولهم‏:‏ ‏"‏قام زيد فُمَّ عمرو‏"‏ أي‏:‏ ثم عمرو، حكاه يعقوب‏.‏ وقولهم‏:‏ ‏"‏فوم‏"‏ بمعنى ثوب، ومن الباء في قولهم ‏"‏خذه بإفانه‏"‏ أي بإبانه‏.‏

الباء‏:‏ أبدلت من الميم في قولهم‏:‏ ‏"‏با اسمك‏؟‏‏"‏ يريدون‏:‏ ما اسمك‏؟‏ وهي لغة بني مازن، ومن الفاء قولهم‏:‏ ‏"‏البسكل‏"‏ في الفسكل‏.‏

الميم‏:‏ أبدلت من أربعة أحرف وهي‏:‏ الواو في فم عند أكثرهم، والنون في نحو عمبر، والبنام في البنان، ومن الباء في قولهم‏:‏ ‏"‏ما زلت راتِمًا على هذا‏"‏ أي‏:‏ راتبًا، أي‏:‏ مقيمًا، ويدل على البدل أنهم قالوا‏:‏ رتب ولم يقولوا رتم، واللام التي للتعريف في لغة حمير‏.‏

الواو‏:‏ أبدلت من ثلاثة أحرف‏:‏ الألف نحو ضويرب تصغير ضارب والياء نحو موقن، والهمزة نحو مومن‏.‏ والله أعلم‏.‏

فصل‏:‏ في الإعلال بالحذف

فا أمرٍ أو مُضَارِعٍ منْ كَوَعَدْ‏.‏‏.‏‏.‏ احذف وفي كعدة ذاك اطرد

اعلم أن الحذف وجه من وجوه الإعلال، وهو ضربان‏:‏ مقيس، وشاذ‏.‏

فالمقيس هو الذي تعرض لذكره في هذا الفصل، وهو ثلاثة أنواع‏:‏

الأول‏:‏ حذف الواو من مضارع ثلاثي فاؤه واو استثقالًا، لوقوعها ساكنة بين ياء مفتوحة وكسرة لازمه، كقولك في مضارع وعَد يَعد والأل يَوْعِد، وحذفت الواو لما ذكر، وحمل على ذي الياء أخواته، نحو أعد ونعد وتعد، والأمر نحو عد، المصدر الكائن على فعل -بكسر الفاء وسكون العين- نحو عدة فإن أصله وعد على وزن فعل، فحذفت فاؤه حملًا على المضارع، وحركت عينه بحركة الفاء وهي الكسرة؛ ليكون بقاء كسرة الفاء دليلًا عليها، وعوضوا منها تاء التأنيث؛ ولذلك لا يجتمعان‏.‏ وتعويض التاء هنا لازم، وقد أجاز بعض النحوين حذفها للإضافة مستدلًا بقول الشاعر‏:‏

وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

يعني عدة الأمر، وهو مذهب الفراء، وخرجه بعضهم على أن عدا جمع عدوة أي‏:‏ ناحية، وأخلفوك نواحي الأمر الذي وعدوا‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ فهم من قوله ‏"‏من كوعد‏"‏ أن حذف الواو المذكورة مشروط بشروط‏:‏

أولها‏:‏ أن تكون الياء مفتوحة؛ فلا تحذف من يوعد مضارع أوعد، ولا من يوعد -مبنيًّا للمفعول، إلا ما شذ من قولهم‏:‏ ‏"‏يدع، ويذر‏"‏ في لغة‏.‏

وثانيها‏:‏ أن تكون عين الفعل مكسورة، فلو كانت مفتوحة نحو يوجل أو مضمومة نحو يوضُؤُ لم تحذف الواو، إلا ما شذ من قول بعضهم يجد‏.‏ قال الشاعر‏:‏

لو شئتِ قد نقَعَ الفؤاد بشَرْبَةٍ‏.‏‏.‏‏.‏ تَدَعُ الصوادي لا يجدن غَلِيلًا

وهي لغة عامرية‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد جاء الحذف فيما عينه مفتوحة كيقع ويسع‏.‏

قلت‏:‏ ما يقع فإن ماضيه وقع -بالفتح- فقياس مضارعه يفعل -بالكسر- فعدل عن القياس، ففتحت عينه لأجل حرف الحلق فكان الكسر فيه مقدرًا، فحذفت الواو منه لذلك، وأما يسع فماضيه وسع -بالكسر- فقياس مضارعه الفتح فيقال‏:‏ يوسع لكنه لما حذفت الواو منه دلّ ذلك على أنه كان مما يجيء على يفعل -بالكسر- نحو ومق يمق‏.‏ وإلى هذا أشار في التسهيل بقوله‏:‏ بين ياء مفتوحة وكسرة ظاهرة كيعد أو مقدرة كيقع ويسع، إلا أن في جعلها مقدرة تجوزًا‏.‏

وثالثها‏:‏ أن يكون ذلك في فعل، فلو كان في اسم لم تحذف الواو؛ لأن الحذف في الفعل إنما كان لاستثقال ذلك في ثقيل بخلاف الاسم، فعلى هذا تقول في مثال يقطين من وعد‏:‏ يوعيد‏.‏

الثاني‏:‏ فهم من قوله‏:‏ ‏"‏كعدة‏"‏ أن حذف الواو من فعلة المشار إليها مشروط بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تكون مصدرًا كعدة، فلو كانت غير مصدرية لم تحذف واوها، إلا ما شذ، وذلك قولهم‏:‏ رقة -للفضة- وحشة للأرض الموحشة، ولدة، وفيها احتمال وهو أن تكون مصدرًا وصف به، ذكره الشلوبين‏.‏

وقوله‏:‏ في التسهيل‏:‏ وربما أعل بذا الإعلال أسماء كرقة وصفات كلدة، فيه نظر؛ لأن مقتضاه وجود أقل الجمع من النوعين، أما الأسماء فقد وجد رقة، وحشة، وجهة، عند من جعلها أسماء، وأما الصفات فلا يحفظ فيها غير لدة، وقد أنكر سيبويه مجيء صفة على حرفين‏.‏

وثانيهما‏:‏ ألا تكون لبيان الهيئة، نحو الوعدة والوقفة، المقصود بهما الهيئة، فإنه لا يحذف منهما، وقد احترز عن هذا في الكافية بقوله‏:‏ والفعلة الأصل احذف‏.‏

الثالث‏:‏ قد ورد إتمام فعلة -المصدر المذكور- وهو شاذّ، قالوا‏:‏ وتره وترًا ووترة -بكسر الواو- وحكاه أبو علي في أماليه، وقال الجرمي‏:‏ ومن العرب من يخرجه على الأصل، فيقول‏:‏ وعدة، ووثبة ووجهة‏.‏

قلت‏:‏ أما وجهة فذهب المازني والمبرد والفارسي إلى أنه اسم للمكان المتوجه إليه، فعلى هذا لا شذوذ في إثبات واوه؛ لأنه ليس بمصدر، وذهب قوم إلى أنه مصدر، وهو الذي يظهر من كلام سيبويه، ونسب إلى المازني أيضًا، وعلى هذا فإثبات الواو فيه شاذ، قال بعضهم‏:‏ والمسوغ لإثباتها فيه دون غيره من المصادر أنه مصدر غير جار على فعله، إذ لا يحفظ وَجَهَ يَجِهُ، فلما فقد مضارعه لم يحذف منه، إذ لا موجب لحذفها إلا حمله على مضارعه، ولا مضارع والفعل المستعمل منه تَوَجَّه واتَّجه، والمصدر عليه التَّوَجُّهُ، فحذفت زوائده‏:‏ وقيل‏:‏ وجهة، ورجح الشلوبين القول بأنه مصدر، وقال‏:‏ لأن وِجْهَة وَجِهَة -بمعنى واحد، ولا يمكن أن يقال في جهة أنها اسم للمكان، إذ لا يبقى للحذف وجه‏.‏

الرابع‏:‏ فهم من تخصيص هذا الحذف بما فاؤه واو، أن ما فاؤه ياء لاحظ له في هذا الحذف، إلا ما شذ من قول بعضهم يئس وهو مضارع يئس، وأصله ييئس، فحذف الياء، وشذ أيضًا يئس مضارع ييس، ثم انتقل إلى النوع الثاني فقال‏:‏

وَحَذْفُ هَمْزِ أَفْعَلَ استمرَّ فِي‏.‏‏.‏‏.‏ مُضارِعٍ وَبِنْيَتَي مُتَّصِفِ

مما اطرد حذفه أفعَلَ من مضارعه، واسمي فاعله ومفعوله، وإليهما الإشارة بقوله‏:‏ ‏"‏وبنيتي متصف‏"‏ فتقول‏:‏ أكرَم يُكرِم فهو مُكرِم ومُكرَم، وكان حق أفعل أن يجيء مضارعه على يؤفعل بزيادة حرف المضارعة على أول الماضي كما فعل في غيره من الأمثلة نحو‏:‏ ضارب يضارب، وتعلم يتعلم، إلا أنه لما كان من حروف المضارعة همزة المتكلم حذفت همزة أفعل معها، لئلا يجتمع همزتان في كلمة واحدة، حمل على ذي الهمزة أخواته واسما الفاعل والمفعول‏.‏

تنبيهان‏:‏

فإنه أهل لأن يؤكرما

الأول‏:‏ لا يجوز إثبات هذه الهمزة على الأصل إلا في ضرورة أو كلمة مستندرة، فمن إثباتها في الضرورة قوله‏:‏

وأنشد سيبويه‏:‏

وصاليات ككما يؤثفين

قال‏:‏ وإنما هي أثفيت، ووزن أثفيت على هذا أفعلت، والهمزة زائدة، وقال السيرافي‏:‏ لا حجة فيه لاحتمال أصالة الهمزة فتكون أثفيت فعليت كسلقيت، وقد أجاز سيبويه في همزة أثفيت الأصالة والزيادة‏.‏

والكلمة المستندرة قولهم ‏"‏أرض مؤرنية‏"‏ -بكسر النون- أي‏:‏ كثرة الأرانب‏.‏ وقولهم ‏"‏كساء مؤنب‏"‏ إذا خلط صوفه بوبر الأرانب، هذا على القول بزيادة همزة أرنب، وهو الأظهر‏.‏

الثاني‏:‏ لو أبدلت همزة أفعل هاء، كقولهم في أرق‏:‏ هراق أو عينًا كقولهم في أنهل الإبل -عَنْهَل، لم تحذف لعدم مقتضى الحذف، فتقول‏:‏هراق يهريق فهو مهريق ومهراق، وعنهل الإبل يعنهلها، فهو معنهل وهي معنهلة أي مهملة، ثم انتقل إلى النوع الثالث‏.‏

ظلت وظلت في ظللت استعملا‏.‏‏.‏‏.‏ وقرن في اقررن وقرن نقلا

قال في شرح الكافية‏:‏ كل فاعل مضاعف على وزن فعل فإنه في إسناده إلى تاء الضمير ونونه يستعمل على ثلاثة أوجه؛ تامًّا نحو ظللت، ومحذوف اللام مفتوح الفاء ظلت، ومحذوف اللام مكسورة الفاء نحو ظلت‏.‏ انتهى‏.‏

وقد فهم من قوله فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ أن هذا الحذف مطرد في كل فعل مضاعف على فعل‏.‏ وإلى هذا ذهب الشلوبين وصرح سيبويه بأنه شاذّ، وأنه لم يرد إلا في لفظين من الثلاثي وهما‏:‏ ظلت ومست، في ظللت ومسست، وفي لفظ ثالث من الزوائد على الثلاثة، وهو‏:‏ أحست في أحسست، وممن ذهب إلى عدم اطراده ابن عصفور، وحكى في التسهيل‏:‏ أن الحذف لغة سليم، وبذلك يُردّ على ابن عصفور‏.‏

الثانية‏:‏ مقتضى قوله على فعل، اختصاص هذا الحذف بمكسور العين، وقد عمم في التسهيل فشمل المفتوح والمكسور، وقد حكى ابن الأنباري‏:‏ الحذف في لفظه من المفتوح، وهو‏:‏ همت في هممت‏.‏

الثالثة‏:‏ مقتضى قوله‏:‏ على فعل أيضًا اختصاص ذلك بالثلاثي، وكلامه في التسهيل يشمل الزائد على ثلاثة، وتقدم تمثيله بأحست‏.‏

الرابع صرح بأن المحذوف في ظَلْت وظِلت لام الكلمة، وصرح في التسهيل بأن المحذوف العين، وهو ظاهر كلام سيبويه‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما وجه فتح الفاء وكسرها‏؟‏

قلت‏:‏ وجه فتحها إبقاء حركتها؛ لأنها مفتوحة في الأصل، ووجه كسرها نقل حركة العين إليها، وذكر أبو الفتوح‏:‏ أن كسر الظاء من ظلت لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة بني تميم، وقوله‏:‏ ‏"‏وقِرْنَ في اقْرِرنَ‏"‏‏.‏

يعني‏:‏ أن هذا الحذف قد جاء في الأمر أيضًا بشرط أن تكون عينه مكسورة، وقرأ أكثر القراء‏:‏ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ‏}‏ وهو من قررت بالمكان أقر به، بالفتح في الماضي والكسر في المستقبل، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مكسور، فحسن الحذف كما فعل بالماضي‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل يطرد الأمر‏؟‏

قلت‏:‏ قال في الكافية‏:‏ وقرن في اقررن وقس معتضدا‏.‏

وذكر غيره أن ذلك لا يطرد، وهو ظاهر التسهيل فإنه قال‏:‏ وربما أفعل ذلك بالأمر والمضارع، وزاد فيه المضارع ومثاله يقرن في يقررن، وذكر ذلك في شرح الكافية قال‏:‏ وكذا يستعمل في نحو يقررن واقررن فيقال فيهما‏:‏ يقرن وقرن، لكن فتح الفاء في هذين وشبههما غير جائز، انتهى‏.‏

وقال الشارح‏:‏ الضابط في هذا النحو أن المضارع على يفعل إذا كان مضاعفًا سكن الآخر، ولاتصاله بنون الإناث فجاز تخفيفه بحذف عينه ونقل حركتها إلى الفاء، وكذلك الأمر منه تقول في يقررن يقرن وفي اقررن قرن، وقوله‏:‏ ‏"‏وقرن نقلا‏"‏ يعني‏:‏ بفتح القاف، وهو قراءة نافع وعاصم، وهو أمر من قررن بالمكان أقر به -بكسر الماضي وفتح المضارع، وهي لغة فصيحة ثابتة لا يقبل قول من أنكرها، فلما أمر منه اجتمع مثلان أولهما مفتوح، ففعل به من حذف عينه ما فعل بأحست وهو نادر لا يقاس عليه؛ لأن هذا الحذف إنما هو للمكسور‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ذهب بعضهم إلى أن قرن -على قراءة الكسر- مر من الوقار، يقال‏:‏ وقر يقر، فيكون قرن محذوف الفاء مثل عدن، ورجح الأول لتتوافق القراءتان، وذهب بعضهم إلى أن قرن، على قراءة الفتح، أمر من قار يقار‏.‏

الثاني‏:‏ أجاز في الكافية وشرحها إلحاق المضموم العين بالمكسور، فأجاز في اغضضن أن يقال‏:‏ غُضْنَ، واحتج بأن فك المضموم أثقل من فك المكسورة، وإذا كان فك المفتوح قد فر منه إلى الحذف في قرن -المفتوح القاف- ففعل ذلك بالمضموم أحق بالجواز، قال‏:‏ ولم أره منقولًا‏.‏